في ظل الحرب الإسرائيلية الضروس على لبنان وغزة، ومع الانشغال السياسي اللبناني والفلسطيني بمواكبة تفاصيلها وتداعياتها، أطلقت وكالة "الأونروا" عملية التحقق الرقمي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، على الرغم من الاعتراضات مرارا عليها والتي أدّت إلى توتر العلاقة بين القوى السياسية والشعبية الفلسطينية وإدارة "الأونروا"، لا سيما مع المديرة دوروثي كلاوس.
وتأتي هذه العملية، التي تستمر حتى نهاية العام 2024، استكمالًا لعمليتين سابقتين أطلقتهما "الأونروا": الأولى للمسجّلين في شبكة الأمان الاجتماعي–الشؤون الاجتماعية، والثانية للمستفيدين من المساعدات الماليّة من الأطفال دون سن الـ18 وكبار السن فوق الـ60، بالإضافة إلى عملية تسجيل اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا إلى لبنان.
توقيت ومخاوف
ما يلفت النظر في إطلاق العملية هو تزامنها مع انشغال الفلسطينيين واللبنانيين بمواجهة الحرب الإسرائيلية، ومع استمرار المحاولات لإنهاء عمل "الأونروا"، والتي كان آخرها قرار الكنيست الإسرائيلي الأخير الذي يحظر عملها في الضفة الغربية والقدس المحتلتين وقطاع غزة، وسط استمرار الأزمة المالية المزمنة التي تواجه الوكالة.
وأوضحت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أن المشكلة ليست في عملية التحقق الرقمي بحد ذاتها، وإنما في توقيتها الذي يثير مخاوف كبيرة ويستوجب التدقيق في أهدافها الحقيقية. مشيرة إلى أن اللاجئين يعانون من تأمين احتياجاتهم الأساسية للصمود، ما يجعل الأولوية لتوفير الإغاثة والمساعدة، بدلاً من تنفيذ مشاريع تثير الشكوك.
وأكدت المصادر أن الأخطر في الأمر هو إصرار كلاوس على تنفيذ العملية رغم كل الاعتراضات السياسية منها والشعبية، مما يزيد من الشكوك حول خلفياتها، خاصة مع قناعة القوى الفلسطينية بأن الأمر لا يتعلق فقط بالشفافية أو حسن توزيع المساعدات، بل بمحاولات لإحصاء أعداد اللاجئين تمهيدًا لتنفيذ خطة مشبوهة للتوطين في لبنان وسوريا والأردن، ضمن إطار الحرب الإسرائيلية السياسية والعسكرية لتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة.
بيان "الأونروا"
وفي محاولة لتهدئة المخاوف، أكدت "الأونروا" في بيان رسمي أن "عملية التحقق الرقمي مكملة لنظام التسجيل الإلكتروني ولا تتعارض معه"، موضحة أن التسجيل متاح لجميع لاجئي فلسطين حول العالم، بغض النظر عن أماكن تواجدهم، وأن العملية لا تؤثر بأي شكل على عدد اللاجئين المسجلين، بل تهدف إلى تحسين الوصول إلى الخدمات والمساعدات النقدية في مناطق العمليات.
ودعت "الأونروا" جميع لاجئي فلسطين الذين تبلغ أعمارهم 16 عامًا أو أكثر (مواليد عام 2008 أو قبل ذلك) والمقيمين في لبنان، إلى تقديم طلب التحقق الرقمي قبل 31 كانون الأول 2024، في حال عدم وجود طلب موافق عليه مسبقًا، مؤكدة أن إكمال طلب التحقق الرقمي أمر بالغ الأهمية لضمان الوصول إلى الخدمات، بما في ذلك استجابات الطوارئ.
القوى الفلسطينية
وأوضح عضو قيادة دائرة اللاجئين في لبنان ومسؤول "الجبهة الديمقراطية" في مخيم عين الحلوة، فؤاد عثمان، لـ"النشرة"، أن إدارة "الأونروا" في لبنان تصرّ على تطبيق برنامج التحقق الرقمي تحت ذريعة "تنظيم استفادة اللاجئين الفلسطينيين من المساعدات المادية والعينية"، رغم الرفض القاطع الذي أبدته القوى السياسية الفلسطينية الوطنية والإسلامية لهذة العملية.
وأكد عثمان أن هذه العملية تهدد قضية اللاجئين الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن إدارة "الأونروا" لجأت إلى أساليب وصفها بـ"الملتوية"، تتراوح بين الترهيب والترغيب، لتمرير مشروعها الذي وصفه بـ"الخطير".
وفي ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، والذي تسبب في تدمير واسع ونزوح آلاف العائلات الفلسطينية، قال عثمان: "بدلاً من أن تقوم "الأونروا" بواجبها بتأمين المساعدات الضرورية للاجئين، اختارت الاستمرار في سياسات غير مجدية. نحن نستنكر بشدة هذه السياسات، ونحث الإدارة على بذل كل الجهود الممكنة لتأمين مقومات الحياة الكريمة لشعبنا الفلسطيني في هذه المرحلة العصيبة".
ودعا عثمان إدارة "الأونروا" إلى التوقف عن سياسة المماطلة والتسويف بحجة عدم توفر الأموال، مطالبًا بضرورة تفعيل خطة طوارئ شاملة لتقديم المساعدات المادية والعينية اللازمة، وتحمل مسؤولياتها في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها اللاجئون الفلسطينيون بسبب الحرب الدائرة.
اللجان الشعبية
بالمقابل، أكد أمين "اللجان الشعبية الفلسطينية" في لبنان، سرحان سرحان، لـ"النشرة"، تأييده لأي خطوة تهدف إلى تنظيم أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، بدلاً من الاعتماد على الأوراق التقليدية. بل ذهب أبعد من ذلك، إذ دعا اللاجئين إلى التجاوب مع العملية والمبادرة إلى التسجيل وفقًا للآلية التي وضعتها الوكالة.
وقال سرحان: "لا أظن أن لهذه الخطوة أبعادًا سياسية تتعلق بالتوطين"، مشيرًا إلى أن اجتماعًا عُقد مع المديرة كلاوس قبل أسبوعين تقريبًا، حيث شرحت أهمية هذه العملية لتنظيم وصول المساعدات، وطلبت التعاون وتشجيع أبناء شعبنا على تسهيل العملية والمبادرة إلى التسجيل".
واعتبر سرحان أن هذه العملية تمثل حماية لوثائق اللاجئين، إذ يمكن من خلال كبسة زر الحصول على أي وثيقة مطلوبة، تمامًا كما هو الحال في الدول المتطورة التي تعتمد المكننة الإدارية في تقديم الخدمات لشعوبها. وأوضح أن توقيت العملية ليس بالأمر المهم، سواء كان في زمن الحرب أو السلم، لأن هذه الخطوة تساهم في تنظيم أوضاعنا وتعمل على تحسين حياة اللاجئين.